حرب غزّة تُعيد إلى أذهان اللاجئين الفلسطينيّين مشاهد النكبة في ذكراها الـ76

الشروق نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وكالة أنباء العالم العربي
نشر في: الأربعاء 15 مايو 2024 - 3:33 م | آخر تحديث: الأربعاء 15 مايو 2024 - 3:33 م

لم تغبِ صورة الجنود الإسرائيليين وهم يقتحمون قرية الجلمة في مدينة حيفا عام 1948 تحت حماية الآليات العسكريّة عن مخيّلة الثمانيني الفلسطيني حسن الحتاوي، الذي ما زال يذكر تفاصيل ما حدث في ليلة غيّرت مصيره وأسرته وأجيال كثيرة من بعده رغم مرور 76 عاما عليها.

الحتّاوي، البالغ من العمر 86 عاما، قال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "في تلك الليلة، حملت أختي الصغيرة ميسون، وكان عمرها في ذلك الوقت ثلاث سنوات، وهرولت بها خلف أمّي وأبّي اللذين حملا ما استطاعا من مقتنيات وألبسة، وتوجّهنا جميعا نحو المجهول، قبل أن يصل الجنود إلى منزلنا الذي علمنا لاحقا أنه قد تحوّل إلى ركام".

لم يتمالك الرجل الثمانينيّ نفسه عندما تذكرّ تلك المشاهد، ففاضت دموعه من عينيه؛ لكنه أكمل حديثه قائلا إنه وأسرته ومئات العائلات توجّهوا إلى منطقة الأغوار، وباتوا هناك ثلاث ليال في العراء، قبل أن يعبروا إلى المناطق الغورية الأردنيّة عندما وصلتهم أنباء تقدّم الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة التي اختباوا فيها.

وتابع "منذ تلك اللحظة، انقلبت حياتنا رأسا على عقب، وبدأنا رحلة لجوء مريرة وقاسية ومؤلمة طوال العقود الماضية". لكنّ تلك السنوات الطويلة لم تقضِ بعد على أمل الحتاوي في العودة إلى قريته، وإن كان هذا الأمل يصبح بعيد المنال عاما بعد آخر.

استقر الحتّاوي في مخيم الطالبية الواقع جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان، وكوّن هناك أسرة، أصبح عدد الأحفاد فيها 50 حفيدا، ورثوا منه جميعا ذاكرة شفهيّة خصبة عن فلسطين وحق العودة.

* تاريخ توارثته الأجيال

أمّا اللاجئ الفلسطيني فراس، الذي ينتمي إلى الجيل الثاني، حيث نشأ في مخيّم الوحدات شرق عمّان بعد أن هُجّر جدّه من قرية سلمة من يافا، فتُفصح أسماء أبنائه الأربعة (وطن، وشهيد، وصمود، وشمس) عن رغبة تلك الأسرة في أن تحمل ذاكرتها وقضية الشعب الذي تنتمي إليه، حتّى وإن كان ذلك في أسماء تُكتب في السجلّات.

وقال فراس في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي إنّ جيله تربّى على أحاديث الآباء والأجداد عن القرى والمدن الفلسطينيّة، فتكونت لديه ذاكرة عن الأرض الفلسطينيّة.

أضاف "قبل سنوات، كُنت أخشى أن ينجرّ أولادي، أو أن ينشغلوا كما الجيل الجديد عن القضية؛ لكن على ما يبدو أنّ الحرب أعادت تشكيل الوعي لدى هذا الجيل".

أما ابنته وطن، البالغة من العمر 17 عاما، فقالت إنها عاشت داخل المخيم "بتفاصيله النابضة بحقّ العودة؛ فالكتابات على الجدران والأغاني الوطنيّة المرتبطة بالأرض، ظلت حاضرة في المخيمات الفلسطينية حتى الآن".

ورغم أن وطن لا تعرف عن قريتها سلمة شيئا، سوى ما تراه من صور ومقاطع مصوّرة عبر الإنترنت، فإنّها تتفاعل مع كلّ ما يجري في الأراضي الفلسطينيّة؛ وقالت "بعد الحرب (في قطاع غزّة)، أنا وأصدقائي استطعنا استخدام أدوات هذا الزمن، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي بالحق الفلسطيني".

لكن اللاجئ الفلسطيني محمود، البالغ من العمر 26 عاما، تبدو نظرته إلى المخيّم الذي تركه وانطلق منه إلى واقع حياة جديدة مختلفة.

* الخروج من المخيّم

في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي، قال محمود "بعد أن كبرت، كُنت أحلم يوميّا بالخروج من المخيم؛ ربّما كان السبب هو السخط على ظروف الحياة".

قرر محمود بالفعل الخروج من مخيّم البقعة الذي كان يعيش فيه، والواقع شمال العاصمة عمّان، عندما حظي بفرصة عمل جيدة، ليؤسّس حياة أفضل له ولأبنائه من بعده؛ فهو لا يرى أنّ حياته في المخيّم تعزز صموده أو ارتباطه بقضيته.

ومن وجهة نظر محمود، فإنّ المخيّم "لم يعد كالسابق؛ فسكّانه اختلفوا، ودخل العديد من غير اللاجئين الفلسطينيين إليه، وأصبح مكتظّا للغاية، فضلا عن قلّة فرص العمل للشباب والواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ المأساوي الذي تمر به أجيال اللاجئين الفلسطينيين"، على حد وصفه.

ودفع غياب الأفق السياسي والاقتصادي العديد من الشبّان إلى الخروج من المخيّم لتأسيس حياة مستقرّة؛ وبحسب جمال البنا، مدير الشؤون الفلسطينية التابعة للحكومة الأردنية في مخيم الطالبية، فإن الطريقة التي ينظر بها بعض اللاجئين الفلسطينيين في الأردن إلى قضيّة العودة تغيّرت بشكل كبير بعد مرور ما يقارب الثمانية عقود على النكبة.

وقال البنّا في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن طابع الاستقرار هو الغالب بين الأجيال الجديدة في مخيمات اللجوء "فعلى سبيل المثال، كان الحديث عن النكبة أو النكسة مع من عايشوها يثير لديهم الحزن والألم... غالبيّة اللاجئين الذين عاصروا النكبة قد توفّاهم الله اليوم، وبات هذا الجيل نادر الوجود".

* الجيل الثالث

وأوضح البنا أن اللاجئين من الجيل الثالث يعملون حاليا على بناء اقتصادهم الخاص عبر التعليم والعمل والاستقرار الأسري والمادي، رغم الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعيشونها أسوة بغالبية الأردنيين، الذين يواجهون قلّة في فرص العمل في المملكة بشكل عام.

عفاف سلامة، الناطقة الإعلاميّة باسم دائرة الشؤون الفلسطينية، تؤكد بدورها أن ذكرى النكبة هذا العام مختلفة تماما عن سابقاتها، حيث تتزامن مع ما وصفتها بنكبة أكبر، في إشارة إلى الحرب الدائرة في قطاع غزّة، والتي قالت إنها "أثرت على العالم أجمع؛ فكيف بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين وهم أصحاب القضية؟"

وترى سلامة أنّ الأجيال الجديدة "أصبحت أكثر تماسا مع القضية الفلسطينية بعد الحرب... من المفارقات أنّ حرب غزّة كان لها تأثير إيجابي على وعي الأجيال الجديدة، وأعادت إحياء العديد من المفاهيم والرمزيّات المتعلّقة بالقضيّة الفلسطينية".

وأشارت الناطقة باسم دائرة الشؤون الفلسطينية إلى أنّ الدائرة تعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للاجئين، قائلة إنه "لا يخلو مخيم فلسطينيّ من المبادرات والمشاريع الاستثمارية" من حدائق ومراكز تمكين للمرأة، فضلا عن ورش العمل والدورات التدريبيّة.

لكنّها في المقابل أكّدت أن الوضع المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أثّر على حياة اللاجئين الفلسطينيين، من ناحية الصحة والتعليم، حيث قالت إنّ نقص التمويل انعكس على هذه الخدمات وزاد الأعباء على الحكومة الأردنية.

وتتشارك الأونروا ودائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنيّة المسؤولية عن المخيمات في الأردن، والبالغ عددها 13 مخيما؛ ووفقا للوكالة، فإن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في الأردن، ويمثّلون 41% من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين، حيث يزيد عددهم على 2.2 مليون لاجئ مسجّل لدى الوكالة في الأردن حتى عام 2020.

ويتمتع اللاجئون الفلسطينيون بالمواطنة الأردنية الكاملة، باستثناء حوالي 140 ألفا أصلهم من قطاع غزة، الذّي كان حتى عام 1967 يتبع الإدارة المصرية، وهم يحملون جوازات سفر أردنيّة مؤقتة لا تخوّلهم حقّ المواطنة الكاملة، كحقّ التصويت وحق التوظيف في الدوائر الحكوميّة.

ويوجد في الأردن عشرة مخيمات رسميّة وثلاثة غير رسمية، يعيش فيها 400 ألف لاجئ بينما يعيش اللاجئون الآخرون في مختلف المدن الأردنية. وتقدم الأونروا تعليما أساسيا لأكثر من 120 ألف طالب وطالبة في 169 مدرسة تابعة لها في المخيمات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق